تخلد الكتب قصص شعوب وأشخاص وتاريخ دول. ولكل كاتب أو فنان طريقته الخاصة للتعبير عن الرسالة التي يرغب بأن تصل الى العالم وتبقى راسخة، لتنتقل من جيل الى آخر. أطلقت تمارا زنتوت كتاب “Drawing Lines” مؤخراً في دبي، وهو كتاب فنّيّ يصوّر تنوّع الهويّة اللبنانيّة وروحها الباسلة. يتألف الكتاب من مائتي صفحة غنيّة بالمحتوى، ويسلّط الضوء على مجموعة من الهويات المفقودة ومقتطفات من الأعمال التي تمّ التقاطها من فنّ الشوارع الخام . تروي كلّ صفحة من كتاب “Drawing Lines” قصّة مختلفة من خلال أعمال عشرات فناني الرسم على الجدران، التي تنتشر في أزقّة بيروت، وتعكس المواهب المحلية والدولية على حدّ سواء. يصور الكتاب صورا مبهرة لفنّ الشارع في بيروت، ترافقها تعليقات مؤثّرة تطرح إشكالية الهوية اللبنانية المفقودة. يضمّ الكتاب أعمال عدد من الفنانين الذين تزيّن أعمالهم مختلف شوارع وزوايا العاصمة مثل أشكمان ويزن حلواني وسعيد محمود وكريم تامرجي وفيش وبنوا دبانة. وتأخذ مؤلفة ومنتجة كتاب “Drawing Lines” تمارا زنتوت القارئ في رحلة لولبيّة إلى جوهر الهوية اللبنانية.
من هي تمارا زنتوت؟
انه سؤال جيد. كيف نعرف عن أنفسنا؟ هذا ما نسعى اليه . ولكن أفترض أنه إذا كان علي أن أعرف عن نفسي، أنا مؤلفة ومصممة، تتمتع بقدرات ابداعية قوية جداً. أجد نفسي عندما أبتكر شيئاً جديداً، إن كان في مجال التصميم أو الانتاج الموسيقي أو الكتابة. حتى اللوحات تشكل تعبيرا ابداعيا قويا يحدد في الواقع من أكون.
وفي النهاية، يجب أن أقول إنني كابتن طائرة وهذا يحدد من أنا، انه الشغف الذي يسيطر علي، وأشعر بالتأكيد بنفسي عندما أطير وأسافر.
كيف بدأت فكرة كتاب ”Drawing Lines”؟
عندما عدت الى لندن حيث قضيت معظم طفولتي وجدت أن لبنان الذي كبرت وأنا أؤمن به ذلك البلد الذي كنت أعيش فيه أمران مختلفان تماماً .فاخترت أن أكتب رواية، تجيب على صراعي الداخلي حول الهوية اللبنانية وما الذي تعنيه بالنسبة لي . ولكن بما ان الفصول كانت منفصلة ومستندة الى موضوعات مختلفة، شعرت أنه يمكنني اضافة شيء بعد، شيء آخر يساعدني في عملية التحليل.
فافترضت من خلفيتي كحاصلة على ماجستير في التخطيط الحضري أن الطريقة الأنسب للتعبير عن الهوية هي الشوارع . الأزقّة التي تعكس حياة الناس ومشاكلهم اليومية وخصوصياتهم، وبالتالي أصبح تركيزي في فن الشوارع. وشكل ذلك نقلة طبيعية للكتاب الفني.
ما الهدف منها؟
في البداية كانت محاولة للتأمل الذاتي وفي النهاية تطورت لتتحول الى بحث عن الهوية من خلال عدسة الجرافيتي، لتتوافق مع الهوية اللبنانية . لم أكن الوحيدة التي طرحت هذا السؤال على نفسها، بل جميع أصدقائي الذين عاشوا في الخارج كانوا بانتظار أن يجيبهم كتابي عن استفساراتهم الخاصة حول هويتهم اللبنانية.
يشعر العديد من اللبنانيين المنتشرين حول العالم أنهم منقسمين بين عالمين، في ظل ما يسمى بالثقافة الفرعية، ويمكن أن يكون ذلك صعباً جداً .فأنت لا تعرف حقاً الى أين تنتمي.
لماذا اخترت التركيز على فنّ الشارع في بيروت تحديداً؟
عملت مع الفنانين الذي يرسمون على الجدران لفترة طويلة، ومنذ عام 2013 شكل urban fusion منصة للتصميم وفن الشارع، وبالتالي كان لي علاقة مهنية وثيقة مع العديد من الفنانين واطلعت على أعمالهم وما الذي يرغبون بالتعبير عنه.
عندما عدت من لندن الى لبنان وجدت أن البلد الذي كنت أؤمن فيه وذلك الذي كنت أختبره وأعيش فيه مختلفاً تماماً. اخترت أن أعمل على كتاب للإجابة عن الصراع الذي يدور في داخلي، حول الثقافة اللبنانية وما الذي تعنيه بالنسبة لي. ولكن بما أن الفصول كانت منفصلة وتستند الى موضوعات محددة، شعرت أن هناك شيئاً يجب اضافته، شيء آخر لتحليله. هكذا بدأت قصة هذا الكتاب الفني كما ذكرت سابقاً.
ما الذي يميز الفنانين اللبنانيين برأيك عن غيرهم؟
لكل بلد يتعامل مع ذكريات الحرب هناك دائماً أشياء مؤثرة للقول. تأثر فنانو الشوارع في لبنان بطريقة أو بأخرى بالحرب، ولديهم الكثير ليقولوه عن الولادة الجديدة ومقاومتهم للوضع الراهن. حتى مع الجيل الذي لم يتأثر بشكل مباشر بالحرب، هم عايشوها من خلال أهلهم. والد أحد الفنانين كان جنرالاً ولم يتحدث أبداً عن تجاربه، وأحياناً لا يتواصل مع الآخرين أبداً. وليكون أقرب اليه اختار هذا الفنان أن يرسم بقايا الحرب وما قد تركه الجيل السابق. علاوة على ذلك، ونظراً الى أن المشهد في لبنان متنوع جداً استناداً الى عدد الطوائف وتأثير مختلف البلاد الغربية عليه، فرسالة الفنانين فريدة من نوعها وتتناول مجموعات واسعة من المواضيع.
أخبرينا عن رحلتك الاستقصائية الاستكشافيّة عبر شوارع بيروت؟
هناك شوارع في بيروت لم أكن أمر بها، وبعضها غير مستكشف بالكامل. عندما كنا نبحث عن مواقع لإنشاء تجهيزات الكتابة على الجدران مع الفنان الفرنسي Zepha والمساهمين في التصوير الفوتوغرافي برنار خليل ولورين عطوي، رأينا بيروت من منظور مختلف. أحببنا بعض المباني المهجورة مثل Brasserie du Levant حيث أنشأنا تجهيزاتنا. هذا المبنى كان عبارة عن مصنع لتقطير الكحول، وهو يحمل حقاً تاريخ لبنان في جميع أرجائه، من الغبار الى الصدأ والسلالم المتعرجة، تشعرك كما لو أنها تأخذك الى أعماق ذكرياتك.
لم يعد هذا المبنى للأسف موجوداً، حيث تم تدميره لإفساح المجال لبناء مجمع سكني حديث. لا توجد قوانين كافية في لبنان لتحمي تراثنا.
ما هي العبرة التي يمكن أن نكتسبها من خلال هذا الكتاب؟
الرسائل التي ترجمت من خلال أعمال هؤلاء الفنانين هي رسائل توعية، بهدف التساؤل حول الوضع الراهن وعدم قبوله فبالرغم من جميع الاختلافات نحن متشابهين. لقد أنشأ السياسيون في لبنان نظاماً يناسب أهدافهم والطريقة التي يحكمون بها، انها دعوة للجيل الجديد ليقود عملية التغيير من الجذور. يحمل هذا الكتاب أيضاً رسالة وحدة وأمل. العمل الأخير في الكتاب هو عبارة عن دائرة كبيرة جداً مرسومة على واجهة مطعم Brasserie du Levant المدمر الآن، والتي رسمها Zepha، وهي تعبر عن رسالة مهمة مقتبسة عن جبران خليل جبران ” النبيل هو من ليس سيداً أو عبداً” “noble is he who is neither master nor slave”
هل من صعوبات واجهتك خلال عملية الاعداد؟
خلال العمل على الأبحاث وإجراء المقابلات مع الفنانين، شكل جمع البيانات الجزء الأكثر تحدياً. فبعض الجداريات لم تكن تعد موجودة أو تم مسحها. ولكن لحسن الحظ وجدت طالبة في التصميم الجرافيكي كانت قد عملت على مشروعها النهائي حول الرسم على الجدران، وهي تملك صور بعض تلك الجدران المفقودة.
لماذا اخترت طرح الكتاب في cities dubai؟
كانوا أول من دعمني وآمن بمفهوم الكتاب قبل بدايته، فكان من البديهي اطلاق الكتاب في دبي في المتجر. أما خطوتي التالية فكانت لندن، حيث أطلقته في 27 مارس.
الفن رسالة، فما هي رسالتك؟
انها رسالة تسامح والطموح للوصول الى لبنان واحد يجمع شعبه على المعنى الحقيقي للوطنية والانتماء.
من هو الفنان التشكيلي المفضل لديك ولماذا؟
من المؤكد أنه لدي مكانة معينة للعمل الذي يحمل توقيع سعيد محمود وكريم تامرجي، “Change what the elders couldn’t”، لأنني شعرت في الحقيقة أنني أتفق مع رسالتهما التي أتت من مشاعر عاطفية. ولكن على الصعيد غير الجرافيكي، أنا أحب عمل ساندرا خير، الذي صور امرأة حامل وفي داخلها الأرزة. يتحدث العمل عن واقع السيدة اللبنانية التي لا تستطيع أن تعطي أولادها الجنسية اللبنانية ففي عصرنا هذا، المفهوم سخيف ويجب أن يتغير.
إذا أردت أن ترسمي لوحة على أحد جدران بيروت، ماذا سيكون عنوانها ومضمونها؟
ربما كخلاصة للكتاب ستكون، ” أطمح، لتكون واحدة” “aspire to be one” ومنها ينمو الأرز وذراع قوة.
كيف ترغبين أن يتذكرك العالم؟
أود أن يتذكروا أنني امرأة تصمد أكثر من أي شيء آخر. لمعرفة أن ما يريد المرء تحقيقه ليس بعيد المنال مطلقاً، فالشغف هو جوهر كل شيء.
أكملي العبارات التالية.
الفن : أفضل وسيلة للتنفيس وخلق الجمال من الألم.
السفر : أعظم مغامرة وطريقة لاكتشاف الذات.
الكتاب : نافذة للروح
لبنان : بلد مليء بالتناقضات والجمال والآلام والصمود والانكار.
أي ألوان تستخدمين لرسم لوحة حياتك ولماذا؟
بالنسبة لي الأحمر هو لون العاطفة والحياة وسيكون بالتأكيد جزءاً سائداً في رسوماتي، وكذلك ظلال الشمس.
حاورتها: شارلين الديك يونس