أمضي وقتاً طويلاً كل يوم وأنا أنظر الى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً الإنستغرام، فهل تعانون من المشكلة عينها؟ نعم، هي حقاً مشكلة وليست هواية أو وسيلة لتنمية المهارات. فحتى عندما كنت أجري أبحاثي لأكتب هذا التحليل الشخصي، لم أستطع أن أتمالك نفسي عن التصفح، بالرغم من كل النتائج السلبية لهذا الادمان التي قرأتها. الأمر ليس سهلاً حقاً!
نمضي كل يوم وقتاً طويلاً ونحن ننظر الى صفحات الأصدقاء والعائلة والنجمات العالميات، والمؤثرات اللواتي يجعلننا نشعر كما لو أن حياتهن مثالية. هنالك عدد كبير من الدراسات التي تؤكد ارتباط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصحتنا النفسية، وتسببها بحالات الاكتئاب والشعور بالوحدة والعزلة وعدم تقدير الذات.
أكدت دراسة نشرت في صحيفة الجارديان الأميركية مؤخراً، ارتباط الاكتئاب لدى الفتيات بزيادة استخدامهن لوسائل التواصل الاجتماعي. كشفت هذه الدراسة أن معدل الاكتئاب عند الفتيات أعلى بكثير من الفتيان، ويرتبط ذلك بالوقت الطويل الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي. كما يؤثر التنمر وقلة النوم على مزاجهن. كشفت الدراسة أن ما يصل الى ثلاثة أرباع الفتيات اللواتي يبلغن الرابعة عشرة من العمر، يعانين من الاكتئاب. فهن لا يشعرن بالسعادة والرضى بمظهرهن وتقديرهن متدني للذات. وقد ذكرت البروفيسور إيفون كيلي من جامعة College London، التي تولت قيادة فريق الأبحاث، أنه يبدو أن الفتيات يعانين بهذا الجانب من الحياة أكثر من الفتيان، وفي بعض الأحيان الى حد كبير.
هذه الدراسة لا تنطبق فقط على الفتيات اللواتي يبلغن الرابعة عشرة، بل هي عينة صغيرة يمكن أن تعبر عن عدد كبير من فتيات اليوم بغض النظر عن الفئة العمرية. على الصعيد الشخصي أعتقد أن هذه الوسائل التي لا تمت بصلة للتواصل الاجتماعي الحقيقي والملموس يمكن أن تؤثر علينا في المجالات التالية:
في العمل… يؤثر الادمان على وسائل التواصل الاجتماعي كـ Facebook و Instagram وغيرها على انتاجيتنا وتركيزنا. تتشتت أفكارنا في كل مرة نرى فيها ماذا يفعل الآخرون في أيامهم العادية، بينما نحن نجلس في المكتب. وتحديداً أتحدث هنا عن “المؤثرات” اللواتي يمضين نهارهن بالتسوق وتبديل الملابس. فهل هذه فعلاً الحياة الواقعية؟ وماذا لو استفقن يوماً ووجدن أن Instagram أغلق، فهل سيصبحن عاطلات عن العمل؟
العلاقات العاطفية… هل هي حقاً عبارة عن صورة مثالية وعلاقة حب لا تتخللها المشاكل وهدايا تفوق التوقعات؟ هذا ما تجعلنا وسائل التواصل الاجتماعي نتخيله ونبحث عنه. طبعاً لن نجد علاقة الحب المثالية هذه في الواقع، لأنها ليست موجودة أبداً. يمكن أن تؤثر هذه الوسائل على علاقتنا بشريك حياتنا، إذ أننا لن نشعر بالسعادة والاكتفاء مهما قدم لنا. فهناك دائماً هدية أفضل ورحلة أطول وطريقة للتعبير عن المشاعر أفضل، حسب مقاييس الانستغرام طبعاً. فهل الهدية الذي قدمها لنا تستحق النشر؟ وهل اطلع من قبل على صفحة مدونة الموضة الإيطالية كيارا فيراجنى وعلاقتها بزوجها مغنى الراب الإيطالى Femes Fedez والنشطات التي يقومان بها؟
الحياة الاجتماعية… كما ذكرت سابقاً، فهذه الوسائل تساهم في عزلنا عن الحياة الاجتماعية الحقيقية والتواصل مع الآخر. نجلس كل يوم مع أشخاص في غرفة واحدة ولا ننظر الى بعضنا البعض أو نتحدث. حتى في المنزل، يجلس كل شخص بغرفته وينعدم التواصل بين الأهل والأولاد. حياتهم الاجتماعية التي نراها ليست حقيقية، فهم تماماً مثلنا يمضون وقتاً طويلاً لالتقاط الصور ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، كي تنال اعجابنا ويتأثرون بنا كما نتأثر بهم. قد يحرمهم ذلك من عيش اللحظة والاستمتاع بما يقومون به. سعادتهم دائماً مرتبطة بآرائنا ونسبة الاعجاب بصورهم. فهل حياتهم الاجتماعية رائعة كما تبدو بالصور؟
الشعور بعدم الاكتفاء… لم تعد حياتي تعجبني بشكل عام. فأنا لا أريد أن أجلس خلف مكتبي فقط وأعمل طوال اليوم لأعود الى المنزل. أما قدرتي الشرائية فهذه قصة مختلفة، هي أيضاً لم تعد تكفيني أبداً! كيف تستطيع أولئك السيدات أن يرتدين كل يوم تلك الأزياء والأكسسوارات من العلامات التجارية الفاخرة الباهظة الثمن؟ هي أفكار يمكن أن تراود كل سيدة عاملة تمضي فترة طويلة بالاطلاع على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الشعور بعدم الاكتفاء يؤدي الى الاكتئاب، لذلك علينا ألا ننسى أن معظم هؤلاء السيدات يعملن لصالح هذه الشركات ويحصلن على هذه الملابس وغيرها بهدف “الصورة” فقط. وأن الحياة الحقيقية ونجاحنا لا يقاس بثمن الملابس التي نرتديها أو عدد الرحلات التي نقوم بها.
الشكل الخارجي… تختلف مقاسات السيدات على الانستغرام عن تلك الموجودة في الواقع. وهذا بالطبع يؤثر على ثقتنا بنفسنا ويجعلنا نشعر دائماً بعدم الرضا عن الذات. فهن بشكل عام، تتمتعن بمقاس “0”، يحددن من خلاله مقياس الجمال السائد. وهذا يجعلنا نحلم بالحصول على ذلك الشكل المثالي ويقودنا نحو الاكتئاب. ولكن هذا أيضاً ليس حقيقياً فالجمال لا يقاس بمقاس الخصر، فهل ماريلين مونرو جميلة بالنسبة لكم؟
وسائل التواصل الاجتماعي هي فقط وسائل للهروب من الواقع. فحياتنا صور ولكن لا داعي لأن تكون مثالية. هي عبارة عن حزن وفرح وفشل ونجاح واستقرار، لا يمكن أبداً أن تختصر بصورة أو تقاس بعدد المعجبين أو التعليقات، والتنمر لا يحدد هويتنا. هذه أفكار يمكن أن تمر في ذهن أي شخص، ولكننا نتعمد أن نتجاهلها، فحتى الادمان على وسائل التواصل الاجتماعي بحاجة الى الاصرار والتصميم للتخلص منه.
اعداد شارلين الديك يونس