لكل دار أزياء عريقة تاريخ يحكي قصتها، ويعبر عن هويتها ويرسم معالم مستقبلها. يطبق المصمم اللبناني سليم عزام هذا المبدأ على علامته التجارية الشابة. تمسك عزام بعادات وتقاليد قريته، المحفورة في قلبه وذاكرته، ليطلق علامته التي تعكس جوهر حياته وأجوائها وقلبها النابض بالتاريخ والحب.
غالباً يبتعد مصممو الأزياء عن واقعهم، لماذا اخترت أن تعكس حياتك في القرية من خلال تصاميمك؟
اخترت أن أعكس حياة القرية من خلال تصاميمي لأنني أؤمن أن الانسان ابن بيئته. ويقول المثل الشعبي “إن من يخلع ملابسه يبرد”، أي أن الشخص الذي يتغيّر لن يعود يشبه نفسه. أما بالنسبة لي فالفن، ان كان تصميما أو غيره فهو وسيلة ليعبر الانسان عن نفسه وداخله. قريتي موجودة داخلي، لذلك عكست ذلك من خلال تصاميمي.
ماذا يعني لك التفكير المستدام وكيف تعكسه من خلال علامتك التجارية؟
التفكير المستدام ليس فقط في اختيار المواد أو بأن نقدم منتجا صديقا للبيئة، بل يجب أن يكون صديقاً للإنسان أيضاً. هذا المشروع لديه طابع انساني بامتياز، فهو يؤمن فرص عمل واستمرارية لسيدات في مختلف أرجاء محافظة جبل لبنان. من السهل التحدث عن الاستدامة كفكرة في عالم الأزياء ولكن تطبيقها صعب. لا نستطيع تطبيقها في مجال معين لمدة قصيرة، يجب أن نفكر من خلال كل شيء نقوم به كيف سنطبق مفهوم الاستدامة على المدى البعيد، وليس لفترة مؤقتة فقط.
ما هو تعريفك للتصاميم المستدامة؟
التصاميم المستدامة هي تلك التي تنفذ ببطء وحب وتحمل في طياتها قصة. بالنسبة الى علامتي التجارية، هناك التطريز اليدوي الذي يؤمن مفهومي الاستدامة والموضة. حتى أن الشخص الذي يشتري القطعة من علامتي، يشعر بالعلاقة التي تجمعه بها، فهو يشتري قطعة صنعت له بحب ولا يوجد مثلها الكثير. هذا ما يميز مفهوم الموضة البطيئة عن غيرها.
أخبرنا عن المراحل التي تمر بها تصاميمك؟
البداية مع الفكرة ومصدر الوحي، أجد نفسي أمام شيء أريد أن أقوله وأتشاركه مع الآخرين. أحياناً يكون نابعاً من مشاعر كثيرة أريد مشاركتها، كي يصبح أجمل. تبدأ الفكرة برسمة، وخلال هذه المرحلة أقرر من سيقوم بعملية التطريز. اكتشفت مع مرور الأيام أن هناك تقنيات تطريز تناسب أنواع رسومات معينة. وبعد مرحلة الرسم نختار الألوان من ملف الخيوط، ننقل الرسومات يدوياً من الورق على القطعة. ثم تأخذها السيدة الى منزلها لتطرزها. تذهب القطعة بعدها الى الخياط ليجمعها وتصبح جاهزة. أقول دائماً، إن القطع تمر بعدد من الأشخاص، تأخذ الكثير من الحب قبل أن تصل الى البوتيك.
هل تحاول تطبيق التفكير المستدام من خلال قطع القماش التي تبقى من عملية التصميم والخياطة؟
نعم، فبالنسبة لي التطريز حرفة بحاجة الى الكثير من الاتقان وأنواع أقمشة معينة. فاذا تطلعنا بنظرة تقنية، كل الأقمشة التي تتضمن بوليستر وبلاستيك وليست مصنوعة من القطن بشكل كامل، تعيق عملية التطريز والابرة من الدخول والخروج بطريقة سهلة، فدائماً نحاول أن تكون القطع مصنوعة 100% من القطن، ومع مرور الأيام سأحاول استخدام القطن العضوي. كما أحاول أن أتوسع وأحصل على القماش من خارج لبنان ليكون القماش عضوياً.
هل تجد صعوبة في إيجاد أشخاص يقومون بعملية التطريز الدقيقة التي تزيّن بها تصاميمك؟
في البداية كان الأمر صعباً. أعتبر نفسي محظوظاً لأنني بدأت خلال هذه الفترة بالعمل في هذا المجال، بعد أن شعرت أن هذا النوع من الحرف بدأ يختفي. منذ أربع سنوات السيدات اللواتي يعملن معي تتراوح أعمارهن بين الـ40 وما فوق، الجيل الجديد ليس مهتما بهذه الحرفة. وأيضاً من الصعب جداً أن نجد سيدة تهتم بالتفاصيل الدقيقة، يتطلب الأمر الكثير من الوقت لنضم سيدة الى الفريق. والأمر لا يتعلق فقط بالموهبة بل بروح الشخص والى أي مدى التطريز دقيق، وإلى أي مدى هي قادرة أن تتحكم بأسلوبها لتنقله من القطع التي توضع على الطاولات الى قطع أزياء، التفكير مختلف حتى من جهتي، أنا أحاول أن أتعرف وأتعمق في الحرفة وهويتها والحفاظ عليها. الأمر ليس سهلاً، وأحاول بقدر المستطاع أن أنشر الوعي حول الموضوع ليحب الناس الحرفة ويتعلموها من جديد.
كيف ترى خطوة وقف استخدام الجلود الطبيعية في الملابس والاستعاضة عنها بجلود مصنعة؟
على الصعيد الشخصي، لا أرى أن الجلد يشبه أسلوبي، لم أفكر يوماً باستخدامه، طبعاً أنا ضد استخدام الجلود الطبيعية. متطلبات العملاء ليست سهلة دائماً. الجلود الاصطناعية تبقى أفضل من الطبيعية، ولكن في الوقت نفسه لا أعرف مدى تأثيرها على البيئة، وبالنسبة لي لا أختار أي واحدة منهما إن كان الجلود الطبيعية أو المصنّعة.
كيف تطبق في حياتك مفهوم التفكير المستدام؟
أنا شخص يعيش بالتناغم مع الطبيعة، تعلمت من أمي كيف أستخدم الموارد الموجودة حولي، في كل شيء نقوم به وأن نكون سعداء. تربيت في القرية، ولم يكن من السهل الوصول الى الأشياء، زياراتنا الى المدينة كانت قليلة. كان أي شيء يشعرنا بالفرح أنا وأخوتي، والطبيعة كانت مصدر إلهام. طبقت هذا التفكير عندما بدأت بالتصميم، ولكنه كان موجوداً قبلها. كيف نعيش وكيف نتصرف، كل شيء متعلق بهذا التفكير، نحن شاكرين للنعمة.
ما هي العوامل التي ساهمت بفوزك في”فاشن تراست أرابيا”؟
التوفيق من رب العالمين. أؤمن برسالتي وبنيت هذا المشروع على نية السيدات اللواتي يعملن معي. أنا محظوظ لكوني في سن الـ28 استطعت أن أجد شيئا أستيقظ لأجله في الحياة وأضحي لأجله. هذه رسالة وأنا هنا لأحقق أهدافي وأعمل لأجلها. أعتقد أن هناك توازناً بين الابداع وحاجة الكون والمجتمع والناس. أنا أؤمن أن التصميم يجب أن يركز على حاجات الناس. صدف أن مشروعي يجمع بين الرسومات الجميلة والقصص الجميلة والاسلوب العصري بالعمل، مع هذه الحرفة التقليدية. أظن أن هذه الخلطة سحرية، وأنا محظوظ أنني أحظى بجزء من هذه الخلطة. كما أؤمن أن كل شيء نابع من القلب، عندما يقوم الانسان بما يحب الناس تشعر بحبه وشغفه.
أخبرنا عن مشاريعك المستقبلية؟
مشاريعي كبيرة، وفيها الكثير من المسؤولية، نحن في صدد العمل على افتتاح أتولييه سليم عزام، وهو عالم تزورينه لتكتشفي مصدر وحي المجموعة. قبل فاشن تراست أرابيا تلقيت عدداً كبيراً من طلبات الوظائف وفكرت أنني لا أستطيع أن أقوم بذلك. ان شاء الله ومن خلال هذا المشروع ستنفتح الآفاق، كي نؤمن فرص عمل لهؤلاء السيدات. هناك مشاريع كثيرة أطلع إليها العام المقبل.
ما هي العبرة التي اكتسبتها من حياتك في القرية؟
أن يبقى الانسان أصيلا للمكان الذي يأتي منه ويحافظ على هويته، فهو أهم شيء في الحياة. حتى لهجتي لم تتغير منذ تركت القرية، هذا أنا وهذا عملي. هناك سبب وراء تسمية العلامة باسمي، وهو أنني لا أستطيع أن أفرقهما عن بعض.
لو لم تكن مصمماً ماذا كنت لتختار أن تكون؟
أحب الرقص، وأعتبره أسلوبا مميزا للتعبير. أشعر لو لم أكن مصمما كنت راقصاً.
مقولتك المفضلة؟
من خلال قوة النوايا الحسنة، يمكن الوصول الى أي قوة.
ما هي أجمل ذكرى بقيت في ذهنك من حياتك في أحضان الطبيعة؟
هناك ذكريات عديدة، أذكر في سن صغيرة كانت أمي تأخذنا لنلعب الغميضة في الطبيعة ونتفق أنا وأخواتي ألا نبتعد كثيراً لأن الطبيعة واسعة جداً. كما أتذكر أن أمي كانت تخبئني تحت تنورتها.
كتابك المفضل؟
لدي عدد كبير من الكتب المفضلة ولكن أحب كثيراً سلام الراسي الأدب الشعبي: “حكي قرايا..وحكي سرايا”.
ما هو الحلم الذي تريد أن تحققه؟
الحلم الذي أريد أن أحققه هو أن أكون إنسانا سعيدا، والناس المحيطون بي أناس سعداء أيضاً.
حاورته: شارلين الديك يونس