للأرض قلب ينبض من خلال غاباتها، وروح تعيش من خلال هوائها. فهل تتخيلون ماذا ستقول لنا الأرض لو استطاعت التحدث الينا اليوم؟ صحيح أنها تحاول أن تخبرنا عن مدى الضرر الذي نتسببه لها من خلال التغيّر المناخي، أي موجات البرد والحر الغريبة والحيوانات التي تنقرض وغيرها. لكن هل نعلم مدى خطورة الأمر حقاً؟
حذر العلماء من أن مليوناً من أصل ثمانية ملايين صنف من الكائنات الموجودة على كوكب الأرض مهددة بالانقراض، نتيجة النشاطات البشرية، كنهب أشجار الغابات وتدمير الجبال وتلويث البحر والانبعاثات الناتجة عن الصناعة وغيرها الكثير.
تختفي الكائنات الفريدة اليوم أسرع بمئات المرات من مثيلاتها خلال العشرة ملايين سنة الماضية، قد تدخل الأرض في أول انقراض جماعي منذ انقراض الديناصورات قبل 66 مليون سنة. وهذا وفق ما ذكرته وكالة فرانس برس عن جوزيف سيتيلي، الأستاذ في مركز هيلمهولتز للبحوث البيئية في ألمانيا والرئيس المشارك لمنصة العلوم والسياسات الحكومية الدولية المعنية بالتنوع البيولوجي وخدمات الأنظمة البيئية.
التغيّر المناخي حقيقة واقعة، وسببه الرئيسي الأنشطة البشرية، وفقا للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي أصدر تقريرا يعنى بتغير المناخ عام 2013.
أظهرت الأبحاث مؤخراً أن أكبر جرف جليدي في العالم يذوب بسرعة 10 أضعاف مما كان متوقعاً بسبب ارتفاع درجة حرارة البحر. ليصبح جرف “روس الجليدي”، وهو أكبر حاجز جليدي في أنتاركتيكا، لوحا عائما بحجم دولة فرنسا. وبهذه الطريقة تصبح عملية ذوابانه أسهل وأسرع من قبل، لتتسبب كمية المياه الهائلة الناتجة عن ذلك في ارتفاع منسوب البحار عالمياً.
وفق الأمم المتحدة، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في البحر إلى خروج الأوكسجين من المياه، مما يجعل من الصعب على الحيوانات المفترسة التنفس، وبالتالي ستظهر أكثر أنواع الأسماك مثل سمك التونة وسمك أبو سيف وغيرها، بعد أن كانت تغوص في المياه على عمق 200 متر. كما يؤدي ارتفاع حرارة مياه البحر الى تغير سلوك هذه الحيوانات، ويتسبب بارتفاع منسوب مياه البحر وموت الشعب المرجانية، مما يهدد حياة الثروة البحرية.
بدأ عام2019 بارتفاع في درجات الحرارة، وكان شهر يناير الأكثر دفئا في أستراليا على الإطلاق. وعلى عكس الاتجاه العالمي شهدت أجزاء من الولايات المتحدة موجة قارسة البرودة من جراء عاصفة قادمة من القطب الشمالي .وذكر تقرير للأمم المتحدة أن عام 2018 كان رابع أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، وأن التوقعات تشير إلى أن ارتفاع الحرارة يقترب من مستويات تعتبرها معظم الحكومات خطيرة على كوكب الأرض. ومن بين الأحوال الجوية المتطرفة التي شهدها العام الماضي حرائق الغابات في كاليفورنيا واليونان، والجفاف في جنوب أفريقيا والفيضانات في ولاية كيرالا الهندية.
ووفقا لبيانات المنظمة العالمية للأرصاد كان عام 2016 الأكثر حرارة بسبب ظاهرة النينيو في المحيط الهادئ، تليه سنوات 2015 و2017 و2018.
لم تتدهور حالة الأرض الصحية فجأة. فبحلول عام 1995، بدأت البلدان مفاوضات من أجل تعزيز الاستجابة العالمية لتغيّر المناخ، وبعد ذلك بعامين، اعتمد بروتوكول كيوتو. يلزم هذا البروتوكول الأطراف من البلدان المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات. وبدأت فترة الالتزام الأولى ببروتوكول كيوتو عام 2008 وانتهت عام 2012. وبدأت فترة الالتزام الثانية في 1 يناير 2013 وستنتهي عام 2020.
وبمناسبة يوم الأرض الذي يحتفل به في 22 أبريل من كل عام، وقّع 175 زعيما من قادة العالم اتفاقية باريس عام 2016 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وكان هذا أكبر عدد من البلدان التي توقع على اتفاق دولي في يوم واحد، من أي وقت مضى. وهناك الآن 184 دولة انضمت إلى اتفاقية باريس.
مؤتمر القمة المعني بالمناخ 2019
في سبتمبر المقبل، سيعقد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قمة المناخ لتوحيد قادة العالم من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل دعم العملية المتعددة الأطراف وزيادة وتسريع العمل والطموح المناخي. وستركز القمة على القطاع الرئيسي الذي من الممكن أن يحقق الفرق الأكبر، كالصناعة الثقيلة والحلول القائمة على الطبيعة والمدن والطاقة والمرونة وتمويل المناخ. وسيقدم قادة العالم تقارير عما يقومون به، وما الذي يعتزمون فعله عندما يجتمعون عام 2020 في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ، حيث من الممكن تجديد الالتزامات وزيادتها.
نتطلع اليوم الى هذه القمة، ففي ظل كل الكوارث الطبيعية والحيوانات المتضررة والهواء الملوث الذي نتنفسه في كل يوم نشعر أن العالم يحاول التحرك، ولكن ما يجري على أرض الواقع يظهر أن الاتفاقيات تبقى محصورة على الطاولات والمقررات في الأدراج.
نعم الأرض تحتضر، وكل فرد منا مسؤول.
اعداد: شارلين الديك يونس