قبل بضع سنوات، كان الحديث عن المباني الخضراء أو المنازل الصديقة للبيئة يعتبر استشرافا للمستقبل، أو خيالا غير قابل للتحقيق. لكن دوران عجلة التلوث بسرعة وآثاره السلبية على الحياة اليومية وتفاقم أزمة التغيّر المناخي جعلت ذلك الحديث المستقبلي أمرا آنياً، وحوّلت الخيال إلى واقع.
ساهمت عوامل تآكل المحيط الحيوي للأرض، والاحتباس الحراري، وتلوث الهواء والماء والتربة بزيادة الوعي الفردي والجماعي على المشاكل الصحية التي تسببها أفعال الإنسان بحق الطبيعة، ورفعت منسوب السعي إلى إيجاد حلول بديلة تحفظ الأرض لأبنائنا وأحفادنا.. وللأجيال القادمة.
اعتمد الإنسان الأول على المباني الصديقة للبيئة، وكذلك فعلت الحضارات الإنسانية القديمة. وعملت أجيال تلك الحضارات على تحقيق مبدأ الاستدامة منذ الماضي أيضا. فاستخدموا في بنائهم المواد المحلية المتوفرة، واعتمدوا على الحلول الطبيعية لتوفير الضوء والتهوئة ومصادر المياه. وبذلك حافظوا على البيئة، وحقوق أجيال قادمة.
مع التطور البشري، والعولمة واكتساح الأبينة الاسمنتية المشهد، تدهور صحة الطبيعة.. نعم نقول صحة الطبيعة لأنّ الأرض تتنفس أيضا، وتمرض، وفي الحالتين يؤثر وضعها على الإنسان. كما تفاقمت الأوضاع في ظل النموذج الحضاري القائم على التكنولوجيا، التي تعتمد بدورها على استهلاك قدر كبير من الطاقة. لذلك برزت الحاجة إلى المباني الخضراء.
يقول المعماري البريطاني نورمان فوستر: “كمهندس معماري، أنت تقوم بتصميم للحاضر، مع معرفة الماضي، من أجل مستقبل غير معروف أساسا”. لكن مبدأ المباني الخضراء جاء ليناقض الجزء الأخير من هذه المقولة، حيث أصبح تصميم المباني الصديقة للبيئة قائم على معرفة مسبقة للمستقبل، وللحفاظ على غد أفضل.
تستخدم العمارة الخضراء مواد صديقة للبيئة وطاقات نظيفة. وتقوم على تصميم مبان بأسلوب يحترم البيئة، عبر تقليل استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية والخامات بالقدر المستطاع، وبالتالي التقليل من تأثيرات الإنشاء والبناء على البيئة. وهنا يمكننا تحديد مجموعة أهداف تحققها المباني الخضراء من خلال خلق بيئة مستدامة وصحية، ويتم ذلك عبر ترشيد استهلاك الطاقة، والحد من الاستخدام المُفرط للمصادر الطبيعية، عبر الاعتماد على الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح أو الماء.

World Trade Centre in Bahrain
كما تتمتع هندسة وتنفيذ وتصميم المباني الخضراء بمميزات عدة أبرزها:
الكفاءة: تقوم المباني الخضراء بإعادة تدوير مياه الأمطار واستخدامها في أمور التنظيف والري مثلا، كما توفر هذه المباني الطاقه أكثر من تلك التي بنيت من الإسمنت، لإنها تعتمد فقط على موارد الطاقة النظيفة، وهذا من شأنه تحسين نوعية الهواء. وفي درجة أفهم يتم بناء المباني الخضراء من مواد طبيعية وغير سامة وتلك المعاد تدويرها التي لا تكلف كثيرا.
الكلفة: غالبا تتساوى تكاليف المباني الخضراء بتلك المخصصة للمباني العادية، لكن أحيانا قد تكلف أكثر بقليل لأنها تحتاج إلى مواد خاصة لبنائها. وفي هذا الخصوص يشرح المتخصصون أن الكلفة الإضافية يمكن أن تعوّض صاحب الملك عشر سنوات إضافية من خلال توفير عمليات الصيانة، بما أن تلك المباني تم بناؤها من الموارد الطبيعية، التي ستأخذ وقتا أكثر حتى تحتاج إلى صيانة أو تغيير.
العائد الاستثماري: لا يهمل المستثمرون والمدافعون عن فكرة المباني الخضراء العائد المادية التي تعطيه هذه المباني لصاحبها. فنظرا إلى أن المباني الصديقة للبيئة تبنى من الموارد الطبيعية، تعتبر تلقائيا استثمارا مربحا وتباع بأسعار عالية.
إلى جانب المباني الخضراء، ونصف الخضراء، برزت بشكل ملفت في المدن الكبرى والمكتظة في مختلف أنحاء العالم، وفي عالمنا العربي أيضا الحدائق المعلقة على الأبنية. حيث عمد السكان إلى استحداث حدائق فوق أسطح المباني وعلى الشرفات في سياق مفهوم الحفاظ على البيئة، وتأمين المناخ السليم والهواء النقي للإنسان.
للطبيعة حق علينا، وفي وقت قليل بدأ مفهوم “الصديق للبيئة” يتحوّل إلى ترف يسعى وراءه الجميع، ويتباهون بأنهم يعتمدون على الطاقة النظيفة، البعض عن دراية، والبعض الآخر من باب التقليد. لكن النتيجة الأكيدة أنه لا يزال أمام الكثير للقيام به حفاظا على كوكبنا.
اعداد: شارلين الديك يونس