تلعب صيحات الموضة والتصاميم الجميلة، التي تقدمها العلامات التجارية الفاخرة العالمية، دوراً رئيسياً في الاقتصاد والبورصة العالميين. وإلى جانب هذه الصيحات، تضم الشركات الكبرى مئات ملايين الوظائف حول العالم، من المصانع الى المتاجر، وحجم العمالة والوظائف التي تؤمنها هذه الشركات لا تعد ولا تحصى. لكن على الرغم من كل هذه الإيجابيات التكلفة البيئية ضخمة جدا.
فالثمن الذي تدفعه الطبيعة لتحقيق كل هذه النجاحات مرتفع جداً، والأضرار كبيرة. يورّد عالم الأزياء كمية كبيرة من النفايات التي تنتج عن عملية التصنيع والمواد التي تتلف بعد الاستهلاك. فكمية كبيرة من المواد الصناعية، كالبوليستر والجلود المصنعة وغيرها، تشق طريقها في النهاية الى أعماق المحيطات لتدمر نظامها الإيكولوجي.
أصبح المستهلك اليوم أكثر وعياً في ظل حملات التوعية التي تتمحور حول الخلل الذي يتسببه الانسان لكوكب الأرض وطبيعته. وبالتالي بدأ يبحث عن العلامات التي تعمل بطريقة أخلاقية وبشفافية، وتتبع معايير الاستدامة.
وبالتالي، بدأ ذلك السلوك يؤثر على عالم الموضة، حيث شهد شهر سبتمبر عام 2018 تحولا على هذا المستوى، ليصبح أسبوع الموضة في لندن أول أسبوع أزياء رئيسي لا نرى فيه فراء على منصات العرض.
ففي ظل حملات التوعية حول الاستدامة، اختارت العلامات التجارية الفاخرة العالمية أن تخوض هذه التجربة وتنضم الى حملة “إنقاذ الأرض”. وتوقف بعضها عن استخدام الفرو، والبعض الآخر توقف أيضاً عن استخدام جلود الحيوانات الطبيعية.
تنفذ كل دار أزياء عالمية مفهوم الاستدامة على طريقتها، فإلى جانب تلوث البيئة من عملية التصنيع والمنتجات غير القابلة للتحلل، هناك حيوانات تقتل من أجل حقيبة أو حذاء أو معطف، وهذا يعد أيضاً جزءاً لا يتجزأ من عملية الاستدامة والحفاظ على كوكب الأرض.
أعلنت دار شانيل مؤخراً التوقف عن استخدام جلود الحيوانات والفراء في مجموعاتها. وهذا يعني أنها ستتوقف عن استخدام جلد التمساح والثعبان، وستعمل على ابتكار وتطوير مواد مستدامة لتحل مكانها.
وهناك عدد كبير من العلامات التجارية العالمية التي سبقت شانيل، وتوقفت عن استخدام الفراء أيضاً، مثل غوتشي.
بدأت مسيرة غوتشي في عالم الاستدامة عندما قدمت حقائب صديقة للبيئة بالتعاون مع Leivia Firth. وفي عام 2011 قدمت الدار نظارات مصنوعة من مواد صديقة للبيئة. وفي العام التالي، قدمت مجموعة من الأحذية البلاستيكية القابلة للتحلل. قامت دار غوتشي بخطوات عديدة ليصبح مفهوم الاستدامة جزءا من هويتها، لتتوقف كليا عن استخدام الفراء عام 2017. وعام 2018 أطلقت الدار Gucci Equilibrium، مفهوماً يعزز شفافيتها ومفهوم الاستدامة الذي تتبعه. يهدف موقع Equilibrium.gucci.com إلى جمع الناس بالكوكب، وإتاحة الفرصة لأعضاء غوتشي وموظفيها بتخصيص 1% من وقت عملهم للتطوع في المجتمعات المحلية. يشكل هذا المفهوم جزءا من خطة غوتشي للاستدامة، الذي يمتد الى 10 سنوات. وتتضمن الخطة مشروع “scrap-less programme”، الذي يهدف الى التقليل من كمية الجلود التي تتم معالجتها أثناء عملية التصنيع.
أما Versace بدورها فاختارت أن تتوقف عن قتل الحيوانات لأجل الموضة، اعتباراً من مجموعتها لخريف وشتاء 2019.
وتعتبر Stella McCartney من أوائل الذين اختاروا مسار الاستدامة، فهي أول من اتخذ خطوة ثابتة لاستبدال الفراء والجلود الطبيعية بداية عام 2001. وتعد العلامة اليوم بالتحول الى مورّدي الطاقة الخضراء بحلول عام 2020. وبعد أن اشترت ستيلا مكارتني 50% من أسهم شركة كيرينغ، تضاعفت آمال الأشخاص الذين يسعون ويتطلعون الى عالم موضة يتبع مفهوم الاستدامة، ويحافظ على مستقبل الأجيال.
دار Burberry أعلنت قبل عرضها في سبتمبر الماضي أنها ستتوقف عن استخدام الفراء، وهي واحدة من أبرز الخطوات التي قام بها ريكاردو تيسي منذ توليه منصب المدير الابداعي في الدار.
واختارت شركة Michael Kors عام 2017 أن تتوقف عن استخدام الفراء في ديسمبر 2019، وبما أن Jimmy Choo هي واحدة من علامات الشركة التزمت بهذا القرار، وتوقفت بدورها عن استخدامه.
انتقلت عدوى مفهوم الاستدامة إلى العديد من دور الأزياء العالمية، وهي عدوى إيجابية أصابت العلامات التجارية الكبرى مثلCoach، وJean Paul Gaultier، وGiorgio Armani، وFendi التي أعلنت أنها ستتوقف عن استخدام الفراء من مجموعتها لربيع وصيف 2020. كما قرّر موقع FarFetch التوقف عن بيع المنتجات المصنوعة من الفراء اعتباراً من ديسمبر 2019.
على الرغم من جهود العلامات التجارية العالمية التي تسعى الى اتباع مفهوم الاستدامة من خلال عدم قتل الحيوانات بهدف استخدام جلودها والفراء، يبقى السؤال هل ستراعي المواد المصنعة التي ستحل مكانها مفهوم الاستدامة أيضاً؟
اعداد: شارلين الديك يونس