هيلين عباس، فنانة تشكيلية ومصممة عربية من أصول سورية، تمكنت في وقت قصير من ترسيخ مكانة مرموقة لنفسها في عالم الفن التشكيلي. انتقلت للعيش في دبي منذ عام 2000 كفنانة بدوام كامل لمدة 15 عاماً، ولتستوحي أعمالها من هذه المدينة ذات نمط الحياة السريع والحديث. يتسم نتاج عباس الفني بطابع شخصي عميق، يستوحي أسلوبه من خبراتها الحياتية وثقافة المنطقة، إضافةً إلى الأشخاص الذين تلتقيهم خلال حياتها اليومية. تختزل أعمال عباس الفنية مزيجاً من السمات المميزة للخط كالنمط والملمس، التي تبرز بين الطبقات المتعددة للوحاتها، مما يضفي بعدا تجريدياً عميقا على إبداعاتها الفنية. يعد الخط العربي سمةً مستمرة تميز الأعمال الفنية لهيلين عباس، التي يبرز شغفها بأسلوب تشكيل الحروف واضحاً في مختلف أعمالها. تبحث عباس في تاريخ الخط القديم لتعيد ترجمته بصيغة مجردة ومفعمة بالتعابير. كما أنها ترى الجوانب الجمالية في ثنايا الحروف العربية لتضفي عليها طابعاً من الحداثة يحاكي ما ينشده عشاق الفن المعاصر.
متى اكتشفت موهبتك وكيف كانت البداية؟
يبدأ حب الفن مع الانسان منذ الطفولة. لا أستطيع أن احدد فترة زمنية معينة عندما أفكر بالموضوع، ولكن اذا نظرت في داخلي سأجد انه مرتبط بالطفولة، وبكل لحظة مررت بها في حياتي. أما إذا تحدثت على الأمر من منظور عملي، فيمكنني أن أقول إن الرحلة بدأت منذ دخولي كلية الفنون الجميلة وتخرجي، وهي مستمرة حتى اليوم. وإذا أردت التحدث عن الاحتراف فباستطاعتي القول إن البداية كانت من هنا بين عامي 2001 و2003.
كيف تصفين هوية لوحاتك وما هو القاسم المشترك الدائم بينها؟
أعمالي أقرب الى الطابع التجريدي، فأنا أعتمد على الالوان والتشكيل، والقاسم المشترك الذي يجمع لوحاتي هو الحرف الذي يوحد هويتي الفنية.
الى أي مدى تعتبرين إعادة إحياء وتطوير الخط العربي مهمة صعبة؟
تتعرض لغتنا العربية لتحدياتٍ كبيرة، أهمها التهميش المتعمد من قبل المتحدث العربي نفسه. وبالتالي أصبح الخط العربي يعاني من التحديات ذاتها، مع دخول المفردات الإنكليزية الى لغتنا بقوة ما زاد عدم الاكتراث بلغتنا المحكية والمكتوبة. بالإضافة الى أنه ومنذ فترة طويلة سيطر الأسلوب الكلاسيكي على فن الخط العربي. فبينما كنت أبحث عن أعمال فنية تجسد هذا الخط، لم أجد الا مخطوطات، باستثناء عدد قليل من الأعمال الفنية التشكيلية. ومع ذلك لم ألمس شخصياً الجرأة والتحرر من الطابع الكلاسيكي حتى في هذه الأعمال الرائعة والقيمة. هذا العصر الذي نعيش فيه الآن يتطلب المعاصرة في كل شيء، فاذا أردنا ان يحافظ الخط العربي على بريقه، من الناحية الفنية، لا بد ان يواكب العصر والفن الحديث. وكما هو معروف فالخط العربي، بمختلف أنواعه، كلاسيكي، وهنا كان التحدي بالمزج بين هذه الكلاسيكية الجذابة وبين الواقع الحديث لعصرنا هذا. كان لا بد من كسر بعض القواعد والنظر للحرف على أنه عنصر فني بحت، فوجدت كم هو طيّع وقادر على ان يثبت نفسه كعنصر اساسي يمكن بناء العمل الفني بأكمله عليه.
ماذا أضفت الى عالم الفن برأيك؟
يستطيع كل فنان أن يضيف لمسته الخاصة التي يتميز بها. أما بالنسبة لي، فأنا أعتبر أن هذا المزيج الذي قدمته من خلال أعمالي الذي يتمثل بالحرف الكلاسيكي واللون الصريح والأسلوب الحديث المعاصر أضفى لمسة من الحداثة على فن الخط العربي الرتيب. فأصبح حتى من لا يهتم بالخط العربي يقتني هذا النوع من الفن فقط بسبب جماله، وبهذه الطريقة أكون قد أدخلت الخط العربي الى قلوب شريحة جديدة من الناس.
ما هو مصدر الوحي الثابت لهيلين عباس؟
الفنان دائماً في حالة تفاعل مع محيطه، يؤثر ويتأثر. كل شيء أمر به يشكل مصدر وحي لي، من الأشخاص الى الاماكن والأحداث وتغيراتها من حولنا، جميعها تدخل في مجال مصادر الوحي. مثلاً مجموعة صحارى كانت مستوحاة من “المكان”، فالصحراء الجميلة في مدينة دبي أوحت لي بهذا الترابط بينها وبين لغتنا وأصالتنا. وكذلك مجموعة “shadows – ظلال” عبرت عن المرحلة التي تمر بها منطقتنا العربية ومدى أهمية ارتباطنا بأصالتنا. أي شيء يمكن أن يشكل مصدر وحي والهام للفنان.
كيف تقيمين مجال الفن التشكيلي في العالم العربي؟
الفن في العالم العربي، من وجهة نظري الشخصية، مسيّس ومرهون بالقيمين عليه، في هذه المرحلة التي تمر بها منطقتنا العربية من حروب وتجاذبات وأزمات.
(بقترح الغاءه)
ما هي المواد التي تستخدمينها لرسم اللوحات؟
على الفنان أن يمتلك أدواته كي يستطيع التعبير بالتقنية واللون. أعمل دائماً على اكتشاف تقنيات تفيد عملي، وهذا البحث الدائم والمستمر عن وسائل تطوّر تقنياتي تخدم بشكل كبير القيمة الفنية للعمل، وتعتبر من الأولويات العملية لتسهيل تقديم العمل بالصورة المنشودة. في العادة، أعتمد على أنواع مختلفة للحبر مع الورق بملامسه المختلفة، وكذلك الاكريليك وأقوم أيضاً بخلط مواد من الطبيعة مع ألواني كي أحصل على تقنيات مختلفة وجديدة.
أنت مقيمة في دبي منذ عام 2000، فماذا يعني لك هذا البلد اليوم؟
دبي مدينة جميلة وحديثة ومتنوعة، أشعر فيها بوقع الحياة السريع والمتجدد، بالإضافة الى طابعها العربي بصحرائها الجميلة. التنوع الكبير بالجنسيات الموجودة في دبي والاختلاط فيما بينها أدت الى فرض نوع من الحياة الصاخبة، مما جعلها متجددة. كل هذا يجعلنا نشعر أن كل يوم يختلف عن الذي سبقه.
كيف اخترت اسم 99 Names of Allah للوحتك؟
اخترنا هذا الاسم “لوحة أسماء الله الحسنة أو Names of Allah 99” لأن لفظ الجلالة له 99 اسما لحكمة إلاهية معينة. تأثرت بالفكرة جداً بما تحمله من أسرار ومعانٍ نجهلها احياناً. فكانت فكرة هذه اللوحة بألوانها المختلفة متمحورة حول الاختلاف العرقي والاثني الذي يجمعه حب الخالق بغض النظر عن الدين واختلافاته. بإمكان اي أحد أن يقتني هذه اللوحة لمعناها الشامل وقيمتها التي تتعدى الحصر بدين أو طائفة أو مذهب، واختلاف ألوانها يعكس هذا التنوع. حاولت أن أقدمها بأسلوب يليق بمكانة هذا العمل.
لماذا اخترت Gallery One لتعرضي فيها أعمالك؟
اخترت Gallery One بسبب إعجابي بالمستوى المميز من ناحية تقديم الأعمال الفنية بشكل راقي ومنظم، وخاصة من ناحية الخبرات المميزة والكفاءة العالية والذوق الرفيع في التعامل مع الفنان من قبل القائمين عليه. شعرت أن أعمالي ستأخذ حقها بالتوفر لأكبر شريحة ممكنة. وكذلك وجود Gallery One في أهم المراكز والمناطق السياحية الراقية في مدينة دبي.
من هو الفنان التشكيلي الذي كنت تحبين اكتساب بعض المهارات منه؟
انا معجبة بعدد كبير من الفنانين وبأساليبهم المتميزة إن كان في العالم العربي أو العالم. فمثلاً الفنان الأستاذ أحمد معلا، وفي مجال الخط الفنان الراقي منير الشعراني، وهناك العديد من الخبرات الفنية القيمة.
إذا أردت أن تصفي لوحاتك بكلمة واحدة فماذا ستكون؟
عفوية.
ما هي المقولة التي تعتمدين عليها في حياتك؟
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
ما هو سر نجاح الفنان في العالم العربي؟
سر نجاح الفنان في العالم العربي هو قرب أعماله من القضايا التي تهم المواطن العربي، وتعكس حاله، وكذلك مدى ارتباطه بواقعه.
لو لم تكوني فنانة أي مجال كنت اخترت؟
أحب عملي جداً وأعتبر نفسي محظوظة أن الله منّ عليّ بالموهبة. لا أدري ربما كنت في أي مجال قريب من الفن واللون فهو عشقي وأحب أن أعيش في عالمي الصغير هذا.
ما هو المتحف العالمي الذي تنصحين الناس بزيارته؟
المتحف الأكاديمي بمدينة فلورنسا الإيطالية حيث يوجد تمثال داود، للفنان مايكل أنجلو.
ما هي الرسالة التي ترغبين بنشرها من خلال أعمالك الفنية؟
رسالتي هي أن نتمسك بما نحن عليه وبهويتنا أياً كانت. ولغتنا هي القاسم المشترك الذي يجمع هوياتنا المختلفة في هذا العالم العربي، فإذا فقدنا هذه الهوية ووسائلها ستمحى حضارتنا، التي تمتد في عراقتها لآلاف السنين. لغتنا وحروفها الجميلة يجب أن تبقى، فنحن نتعرض لموجة قاسية تحارب كل ما نحن عليه بهدف طمس هذه الحضارة العريقة. أنا بدوري كفنانة يمكن ان يصل عملي لشرائح مختلفة من المجتمع، أحاول أن ألفت النظر لهذا الخطر، وأثبت أن لغتنا جميلة وتستحق أن نحافظ عليها.
أي مشاعر تلهمك أكثر للعمل: الحزن أم الفرح؟
بصراحة كلاهما، أحياناً الحزن وأحياناً الفرح. الفنان هو أكثر إنسان يتأثر بمحيطه ومشاعره، ويعبر عنها على طريقته.
ما هي اللوحة العالمية التي تعتبرينها “ايقونية”؟
هناك الكثير من اللوحات العالمية المحببة لقلبي، ولكن أعتبر لوحة الفنان كليمت JUDITH AND THE HEAD OF HOLOFERNES من أكثر اللواحات التي تثير إعجابي.
حاورتها: شارلين الديك يونس