يد واحدة حوّلت صمت الجدران لوحات إبداعية صارخة. فأضحى فن الشارع مع الرسام البريطاني، بانكسي قضية رأي عام دولي. وأسمع، الفنان اللغز، العالم صوت المظلومين، من خلال ريشته.
لا يعرف أحد من هو بانكسي، والمعلومات المتوفرة بشأنه تفيد فقط بأنه من مواليد بريستول، عام 1974. ولمع نجمه في أواخر التسعينيات من خلال رسومه التي جذبت نظر الجمهور لما تحمله من رسائل مختلفةً عن الفنّ والفلسفة والسياسة، وقضايا الحرب والرأسمالية والنظام العالمي والأمن واللاجئين.. وغيرها.
يحرص بانكسي على عدم الكشف عن هويته، لأنه يريد، وفق تعبيره، أن يكون العمل الفني وما يحمله من قضايا بطل المشهد، وأن يكون هذا العمل متاحا لكل الناس، لا أن تحده قاعات المعارض والمتاحف.
شهدت مختلف بقاع العالم أعمالا من إبداع بانكسي: بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة وكندا والمكسيك وفرنسا وفلسطين.. في سكون الليل، يتسلل كالخفاش إلى أماكن لا يتوقعها الجمهور يرسم فنان الغرافيتي بانكسي لوحاته على جدران الشوارع والأبنية المهدمة أو أي مكان يراه معبرا عن القضية التي يرسم عنها.
عُرفت أعمال بانكسي في العالم العربي، تحديدا عبر تبنيه الموقف العربي في الصراع العربي- الإسرائيلي. فرسم في أحد أعياد الميلاد السيدة مريم ويوسف النجار وهما يواجهان جدار الفصل في طريقهما إلى بيت لحم. وعقب الحرب على غزة عام 2014، زار القطاع عبر الأنفاق، ورسم مجموعة أعمال على جدران وأبواب المنازل المهدمة، ومن بينها، لوحة لقطة تلهو بكرة من معدن، لعدم وجود شيء آخر تلعب به في تلك المدينة المدمرة، وأخبر بانكسي صاحب البيت أن القطة ترمز للحق في الحياة، وترك له حرية أن يبيعها ليعيد إعمار منزله من أموال اللوحة.
قضية اللاجئين شكلت أحد أبرز المواضيع التي جسدها بانكسي. على الجدار المقابل لمبنى السفارة الفرنسية في لندن نفّذ جدارية انتقد فيها تعامل السلطات الفرنسية مع اللاجئين في مخيم كاليه، شمالي فرنسا. فرسم كوزيت، فتاة مسرحية البؤساء، تبكي من جراء قنبلة غاز مسيلة للدموع. وفي مخيم كاليه نفسه، رسم بانكسي صورة ستيف جوبز، مؤسس شركة “أبل”، باعتباره ابن مهاجر سوري في الأصل.
عام 2014، تزامنا مع الذكرى الثالثة للحرب السورية، أعاد بانكسي رسم إحدى أشهر لوحاته لفتاة تحمل بالونا أحمر. وكان قد رسم هذه اللوحة للمرة الأولى عام 2002. وأشار الفنان البريطاني على صفحته الالكترونية إلى أن إعادة رسمه هذه اللوحة ترمز إلى الـ15 طفلا الذين احتجزتهم الأجهزة السورية لرسمهم جداريات الاحتجاجات ضد الحكومة في مارس 2011.
تُنقل بعض أعمال بانكسي عن جدرانها لتباع في المعارض، ولوحة “فتاة البالون الأحمر”، شكلت بحد ذاتها ظاهرة شغلت العالم الفني مؤخرا.
بيعت اللوحة في مزاد سوذبي العالمي، بـ1.2 مليون دولار، وما أن أعلن عن إتمام الصفقة حتى فوجئ الحضور بتمزيق اللوحة بشكل ذاتي. فتحول المشهد إلى اللحظة الأهم في موسم المبيعات الفنية لشهر أكتوبر هذا العام.
لا حدود زمنية أم مكانية لظهور أعمال الفنان البريطاني المجهول. وكذلك لا معلومة إن كان سيكشف هويته الحقيقية يوما ما. لكن الأمر المضمون أنه يبرع في إيصال رسائله في كل مرة يتسلل فيها إلى أحد الجدران معبرا بالطريقة التي يجيدها.
الصور من موقع www.banksy.co.uk